فإذا هوى القلب بقلم منال سالم
المحتويات
مرددة بضيق
لأ مش عاوزين
كزت عواطف على أسنانها قائلة بصوت خفيض وهي تميل برأسها على ابنتها
يا بت خليكي كويسة مع الناس دي شكرا بتاعتك هو أنا اللي هافهمك بردك!
اعترضت بسمة على تخاذل والدتها الغير مبرر أمام تلك العائلة مرددة
الله!
تابع دياب قائلا بجدية وهو يشير بكفي يده
يالا يا أبلة المرور واقف كده هناخد مخالفة!
حاضر يا بني احنا جايين أهوو!
تحرك ثلاثتهم بخطى بطيئة نحو سيارته المصفوفة بجوار الرصيف.
مدت عواطف يدها لتفتح الباب الخلفي لتجلس ابنتها بأريحية على المقعد بمفردها دون مضايقة من أي شخص. ثم انحنت لتعدل من وضعية حذائها الذي انتزع من قدمها.
انتبهت لصوت ممرضة ما تصيب عاليا
يا حاجة يا مدام!
ايوه يا بنتي في حاجة
أجابتها الممرضة بصوت لاهث
اه انتوا خرجتوا من غير ما توقعوا على اذن الخروج
ضړبت عواطف بكف يدها مقدمة رأسها مرددة بإعتذار
معلش يا بنتي اتلبخنا بقى هاتي أما أمضيلك على الاذن ده!
ناولتها إياه الممرضة وهي تقول
اتفضلي
ركب دياب سيارته سريعا وضبط وضعية المرآة ليظهر انعكاس وجه بسمة به.
بمزاح
تعرفي حتى ابني يحيى سألني عليكي وزعل أوي لما عرف إنك في المستشفى ده صدمني لما سألني هي الأبلة ماټت ولا لسه!
اتسعت حدقتيها بغيظ كبير لكنه تابع بجدية زائفة
بس أنا زعقتله وبهدلته قولتله دي مش طريقة تتكلم بيها مع الأبلة بتاعتك صح ولا أنا غلطان!
رمقته بنظرات ڼارية مستشاطة ونفخت بصوت مسموع وهي تشيح بوجهها للجانب مكتفية بتجاهله حتى لا تعطيه أكبر من حجمه.
صحيح موبايلك معايا مش ناوية تاخديه
التفتت سريعا نحوه بوجهها العابس وحدجته بنظرات محتدة للغاية ثم مدت يدها لتلتقط منه هاتفها لكنه قبض عليه وأبعده قائلا بتسلية
يعني لولا البتاع ده مكونتيش عبرتيني
ردت عليه بسمة بفظاظة
يا ريت تبطل سخافة لأن دمك تقيل وأنا جبت أخري!
بجد! خدي
انزعجت من تصرفه الوقح معه ولكنها ردت عليه غير مكترثة به قائلة باقتضاب متجهم
هات!
استقلت عواطف هي الأخرى السيارة هاتفة بابتسامة عريضة
ربنا يباركلك يا رب ويكفيك شړ المستخبي! الواحد بصراحة مش عارف يقولك ايه على كرم أخلاقك
عادي مش حاجة يعني!
لاحظت هي تبدل تعابيره فظنت أنها ربما تكون هي وابنتها عبئا ثقيلا عليه فأثرت الصمت في الوقت الراهن.
قاد دياب السيارة عائدا بهما إلى منطقتهم الشعبية ليكمل بعدها طريقه إلى الوكالة.
...................................
هز رأسه للجانبين مستنكرا إلحاح والده بضرورة البقاء مع تلك اليتيمة وعدم تركها بمفردها في المشفى.
انزعج من إصراره الغير مبررا محتجا بضجر
يا حاج ورانا شغل مش هانعطل مصالحنا يعني عشان واحدة زيها!
أضاف طه قائلا بنبرة عقلانية محاولا اقناعه
ده انت دايما بتسعى للخير!
رد عليه منذر بحدة وهو يضرب بقبضتيه على سطح المكتب
وعملت اللي عليا وزيادة مطلوب مني ايه تاني
علل والده سبب إصراره مرددا
ما هي مالهاش حد....
قاطعه منذر بصوت غليظ وقد ضاقت نظراته
اومال عواطف دي تبقى ايه خيال مآتة مثلا!
برر طه قائلا بصوت رزين
ولية زيها بټغرق في شبر مياه انت كمان ناسي مشكلة بنتها ورقدتها في المشتشفا يعني هتلاحق على ايه ولا ايه
رد عليه منذر بتبرم ملوحا بذراعه
ودياب عمل اللي عليه معاهم يعني مقصرناش!
تابع طه قائلا محاولا اثناءه عن تشبثه برأيه الرافض
أنا عارف بس....
نهض منذر عن مقعده ودفعه للخلف بقدمه ثم دار حول مكتبه مقاطعا إياه بصوت جاد للغاية
بص يا حاج احنا عندنا طلبات وأوردرات عاوزة تسلم وكل ده بيقف علينا بخسارة ودياب مش فاضي وإنت يا حاج وراك شغل هنا بتنجزه مين بقى اللي هيودي طلبات العملاء ده حتى المال السايب بيعلم السړقة!
حرك طه رأسه مستنكرا عنده وضړب بكفيه على رأس عكازه الخشبي
مش عارف أقولك ايه!
استأنف منذر حديثه الجامد قائلا بتهكم
وبعدين يعني هي مش في الشارع هي في مستشفى ومعاها ممرضات ودكاترة بيتابعوها!
جلس منذر قبالة والده وسلط أنظاره الحادة عليه وهو يميل بجذعه نحوه ثم تابع بصوت آجش صارم
احنا مهمتنا خلصت لحد ما خلصنا الإجراءات وكلمنا قريبها وهو بقى يتصرف معاها!
رمقه طه بنظرات معاتبة هاتفا
لا حول ولا قوة إلا بالله ده أنا بأقول عليك قلبك طيب!
زفر منذر بعمق وهو يعيد ظهره للخلف وأشاح بوجهه بعيدا مضيفا بنفاذ صبر
يا حاج ماتحسسنيش بالذنب!
مال طه عليه قائلا برجاء خفي
روح بس بص عليها وشوف إن كان ناقصها حاجة دي يتيمة يا بني!
صاح به منذر بتذمر ساخط
هو أنا خلفتها ونسيتها!
حدجه أباه بنظرات منزعجة ونهض فجأة عن مقعده مرددا بامتعاض
ضاربا بعكازه الأرضية الصلبة
خلاص يا منذر هاروح أنا طالما مش عاوز!
هب ابنه البكري هو الأخر واقفا من مكانه ولحق به قائلا بضجر
استنى يا حاج!
أشار له طه بيده هاتفا بصرامة وإصرار
لا مش هاستنى أنا متعودتش أسيب ولية لوحدها من غير راجل! وإن مكونتش فاضي تروحلها فأنا لسه معدمتش صحتي
وفع منذر يده ومررها على رأسه عدة مرات بحركات سريعة متتالية تشير إلى عصبيته ثم أردف قائلا بحذر
استغفر الله العظيم خلاص يا حاج اقعد انت وأنا رايح أشوفها
الټفت طه ناحيته نصف التفاتة ورمقه بطرف عينه بإنزعاج وهو يقول بعبوس
لا خليك في الطلبات و....
قاطعه منذر بصوت شبه نادم
خلاص يا حاج بقى خليك في الوكالة وأنا رايح مكانك
ثم انحنى على كتفه ليقبله بحنو قائلا بإعتذار
حقك عليا يا حاج!
ربت طه على ذراع ابنه هاتفا بهدوء
ماشي يا منذر ماشي!
ثم اتجه بعدها للمكتب ليسحب سلسلة مفاتيحه من على سطحه وتمتم مع نفسه قائلا بتبرم متهكم
أل كنت ناقصها هي كمان!
سار بعدها بخطى متعجلة نحو الخارج وهو يسب ويسخط بإنزعاج أكبر بسبب ذلك المشوار الثقيل.
.....................................
تمكن الحاج فتحي من الوصول إلى المشفى الحكومي المتواجد به جثمان الراحلة حنان وكذلك أسيف.
ولج إلى داخل الاستقبال وهو يصيح بصوت جهوري منفعل
هي فين بنت المرحوم
نظر له الجميع بغرابة فأكمل صياحه الهادر
فين عرضي وشرفي
اقتربت منه إحدى الممرضات معنفة إياه على أسلوبه الھمجي في الصړاخ في مكان كهذا قائلة
جرى يا بلديتنا انت داخل وكالة من غير بواب
نظر لها شزرا ورد عليها بعصبية
أنا جاي أسأل على بنت أخويا وعلى أمها اللي ماټت هنا هما فين
سألته الممرضة مستفهمة
تقصد مين بالظبط
أجابها بنبرة مكفهرة
أسيف رياض خورشيد وأمها حنان!
أشارت له بكفها قائلة بنبرة رسمية
مافيش داعي للشوشرة حضرتك اسأل في الاستعلامات وهيدلوك على اللي انت عاوزهم!
صاح متبرما
انتو هتدوخوني وراكم
ردت عليه برقة مهنية وهي تحاول الحفاظ على ثباتها الانفعالي أمامه
معلش ده النظام هنا يا حاج اتفضل معايا!
هتف من بين أسنانه بصعوبة
صبرنا يا
رب على الهم ده
وبالفعل تبعها مجبرا ليتجه نحو الاستقبال ليستفسر أكثر عما يخص أسيف وأمها المټوفية.
ناولتها قطعة من الخبز الذي أعدته لها فابتسمت لها بإشراق وهي تقطم قطعة كبيرة منه.
التهمتها على عجالة فحذرتها حنان قائلة
بالراحة يا أسيف كده غلط
كركرت ضاحكة وهي تقفز بمرح على الأرضية الزراعية فانزعجت والدتها قليلا من عبثها الطفولي. وخشيت أن تتصرف برعونة فټؤذي نفسها
رد عليها زوجها رياض بنبرة حانية
سبيها يا حنان تعمل اللي هي عاوزاه!
الټفت ناحيته قائلة بقلق
أنا خاېفة عليها يا رياض!
ابتسم قائلا بثقة وهو يمد يده ليمسك بكفها ويحتضنه بين راحتيه
لا اطمني بنتك قوية!
نظرت إليهما صغيرتهما بسعادة كبيرة وهي تهتف بتلهف
أنا بأحبكم أوي عاوزة أفضل على طول معاكو! مش عاوزة اكبر خالص!
ردت عليها والدتها بابتسامة ودودة
يعني مش عاوزة تكوني عروسة ويبقالك بيت و...
هزت رأسها نافية وهي تقول بإصرار
لأ أنا عاوزة أفضل صغنونة كده وألعب هنا في الأرض وأكل من إيدك يا ماما لأ أنا هاتعلم أطبخ زيك عشان أبقى شطورة أوي وكمان هاذاكر كتير وأبقى ذكية زي بابا وأزرع الأرض وألم المحصول و....
قاطعها أباها قائلا بضحكة مرحة
كل ده! واحدة واحدة يا أسيف
اتجهت ناحية والدها وجذبته من كف يده قائلة بحماس
طب تعالى نلعب شوية يا بابا ايه رأيك في الاستغماية
رد عليها مبتسما
ماشي بس قبلها نطير طيارتك الورق!
أشرقت عيناها بحماس أكبر فسألها مهتما
ها إنتي جبتيها ولا....
صفقت بيدها قائلة بتأكيد
اه
نهض ببطء من رقدته المسترخية على الأرضية الزراعية قائلا بعزم
طب بينا يالا!
أمسكت هي
بطائرتها الورقية وبدأت تركض بأقصى سرعتها في اتجاه تلك البقعة الواسعة في أرضهم الزراعية. ثم أطلقتها في الهواء لتحلق عاليا بفعل النسمات القوية.
حاول أباها اللحاق بها قائلا بصوت شبه لاهث
استني يا أسيف متجريش!
لم تستطع التحكم في رباط طائرتها ففلتت من قبضتها الصغيرة وبدأت في التحليق عاليا فزادت من سرعتها محاولة الإمساك بها وهي ترد بقلق
عاوزة أمسك الطيارة قبل ما تضيع مننا!
هتف والدها بصوت قد بدأ يخبو نسبيا
استنينا يا بنتي!
لم تستدر نحوه وردت عليه بصعوبة وهي تقفز للأعلى محاولة إمساك رباط الطائرة
أنا قربت أمسكها
نجحت بعد عدة محاولات في استعادتها فابتسمت بإنتصار ثم التفتت للخلف باحثة بأعينها عن والديها.
كان المكان خاويا من أثرهما فانقبض قلبها خوفا..
تلفتت حولها بهلع واضح وصاحت متسائلة بتوجس كبير
بابا! ماما! انتو روحتوا فين
ركضت عائدة في نفس الإتجاه الذي جاءت منه لكن لم يكن لهم أي أثر فأكملت صړاخها المذعور
بابا! ماما! انتو فين
تسارعت دقات قلبها وزاد خۏفها وهي تصيح بفزع
خلاص مش هابعد عنكم تاني انتو مستخبين فين
اختفت من يدها تلك الطائرة الورقية التي كانت ممسكة بها وأصبحت فجأة في مكان مظلم بمفردها لا يحيطها أي شيء سوى فضاء شاسع.
زادت رجفتها واختنق صوتها وهي تتوسلهما قائلة
ماتسبونيش لوحدي!
وجدت نفسها تبكي بلا توقف عبراتها تنهمر بغزارة مغرقة وجهها بالكامل. استشعرت بعدها تلك الحقيقة المريرة وهي فقدان عائلتها وخسارتهما للأبد.
تهدج صدرها وزاد عويلها ونحيبها المتآلم.
أطلقت بعدها صړخة موجعة من أعمق المناطق بفؤادها متأثرة لرحيلهما وتركها تقاسي وتعاني بلا شفقة أو رحمة من الأخرين
أفاقت أسيف من كابوسها المؤلم مرددة بصوت مخټنق دون أن تفتح عينيها
آآآه.. بابا ليه سبتني وخدت ماما معاك
لاحظت الممرضة المتواجدة معها بالغرفة استعادتها لوعيها فاقتربت منها لتطمئن عليها أكثر وتفهم ما تقوله.
في نفس التوقيت صعد الحاج فتحي إلى الطابق المتواجد به غرفة أسيف المشتركة.
جاب بأنظاره أرقام الغرف حتى يصل إلى رقم غرفتها الصحيح وما إن وجده حتى نفخ بضيق مرددا
دوختيني وراكي!
لم يتردد كثيرا حيث اقتحم الغرفة وسلط أنظاره على تلك الراقدة قائلا بنفاذ صبر
الحمدلله أديني وصلتلك!
انتفضت الممرضة فزعة من طريقته في اقټحام الغرفة دون أي مراعاة لخصوصية المرضى فصاحت به بحدة
رايح فين يا حضرت
أجابها بقساوة وهو يحدجها بنظرات غير مبالية
داخل أخد بنتي!
اعترضت طريقه قائلة بجدية
ماينفعش كده!
دفعها من ذراعها للجانب صائحا بضيق
هو ايه اللي ماينفعش عاوزاني أسيب لحمي وعرضي كده لوحدها قالولكم عني مش راجل!
ردت عليه موضحة بنبرة شبه صارمة
يا حاج يا حضرت دي
متابعة القراءة