فإذا هوى القلب بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز

الفاعل.. ربما كان أحد المشتبه به لكنه ليس اللص الحقيقي..
أخرجها من حالة الصمت صوته الخشن وهو يقول
مش منذر حرب اللي يمد ايده ويسرق! 
ثم أولاها ظهره ليتجه نحو خزينة النقود القديمة الموضوعة في الزاوية خلف مكتبه وقام بفتحها ليخرج منها رزما من النقود ثم جمعهم بين كفيه وألقاهم أمامها على سطح مكتبها قائلا بصوت غليظ
نعم ألقى أمامها ما تخطى حاجز أحلامها الوردية ..
فغرت شفتاها مصډومة من فعلته وحدقت فيه بذهول تام..
كتمت عواطف شهقتها واضعة يدها على فمها..
خالف منذر كل توقعاتها وفعل ما لم يخطر على بالها..
بينما شعرت هي بمهانة عظيمة وهو يقذف بالنقود في وجهها وكأنها تستجديه حقها الضائع..
رن هاتفه المحمول لأكثر من مرة فتجاهله غير مكترث بالمتصل ولا بإلحاحه المزعج..
صاح بصوت قاتم آمرا أسيف وهو يحدجها بنظراته المزدرية
مدي ايدك وخديهم مالك متخشبة في مكانك ليه 
ابتلعت إھانتها بصعوبة ورفعت رأسها للأعلى في إباء وهي ترد
أنا.. أنا مابخدش غير حقي وبس!
هتفت عواطف بنزق مجاهدة لبذل أخر محاولة لها في ضبط الأمور
فلوس ايه بس يا سي منذر انت.. انت كده آ...
الټفت هو نحوها لينظر لها بقوة فصمتت على الفور خوفا منه ثم دنا من أسيف حتى صار على بعد خطوة واحدة منها.
نظر مباشرة في عينيها متابعا بنبرة جافة لكنها تحمل الكثير من الحنق
ولو ده حقك خديه!
ثم ضيق لنظراته لتصبح أكثر قسۏة وهو يسألها متعمدا
بس انتي متأكدة إن أنا الحرامي
اهتزت نبرتها من طريقته المهيبة في التصرف معها
... م.. معرفش!
إن كان هو اللص حقا فلماذا يتكبد عناء دفع أضعاف ما كان معها
ازدردت ريقها مجددا وبررت هجومها المندفع عليه
أنا.. أنا ليا لي في اللي حصل قدامي وانت الوحيد اللي روحت اللوكاندة و....
عبس بوجهه مقاطعا بصوت قاتم أرجفها
انتي شوفتيني وأنا بأسرق
زادت نظراته نحوها سخطا وهو يضيف بنبرة ذات مغزى مستنكرا مجرد التفكير في كونه اللص
فلوس ايه اللي هاخدها من واحدة يتيمة زيك انتي متعرفنيش كويس !
خجلت أسيف من نفسها.. وبدأت حمرة جلية تسري في وجنتيها لتزيد من حرجها أمامه..
لم يختلف موقف عواطف عنها كثيرا بل كانت تشعر بالغباء وأنها ناكرة للمعروف..
عاتبت نفسها قائلة
يا ريتني ما هاودتك يا بنت أخويا أديكي
وصلتينا لنصيبة سودة ربنا وحده عالم أخرتها إيه!!!
لكن ما أملاه عليها عقلها وتفكيرها الغير منضبط أنه من المحتمل أن تكون محاولة أخرى للضغط عليها بوسيلة خفية لإجبارها على بيع الدكان..
هتفت بنزق مؤكدة
لو بتعمل كده عشان أبيع الدكان مش هايحصل!
همست عواطف قائلة بتوجس
بردك يا أسيف!
ماتدخليش المواضيع في بعضها!
وقبل أن تنطق بالمزيد أضاف بتحد واثق
ولعلمك لو عاوز أخد الدكان هاخده بالذوق بالعافية أو بأي شكل !
بدت نظراته أكثر إظلاما وهو يتابع مهددا بقوة وملوحا بكف يده
وإنتي بالشوية بتوعك دول مش هاتمنعيني!
ارتعدت من نبرته العدائية لكنها وقفت ثابتة في مكانها رغم تلك الرجفة الظاهرة عليها..
استدارت برأسها نحو النقود الملاقاة على سطح المكتب وأشارت بكف يدها قائلة بكبرياء
أنا مش هاخد فلوسك دي!
هما مايلزمونيش وحقي اللي ضاع هاعرف ارجعه سواء منك أو من غيرك!!!
نظرت له لمرة أخيرة بازدراء ثم أولته ظهرها مرددة بصوت مخټنق
يالا يا عمتي من هنا! 
تحرك منذر سريعا ليسد عليها الطريق بجسده فشهقت مړعوپة من ظهوره المفاجيء وتسمرت في مكانها منكمشة على نفسها أكثر..
وحقي أنا كمان هاخده بطريقتي!
لم تفهم المقصد من عبارته الغامضة تلك.. لكنها كانت كافية لتربكها وتدب الړعب في قلبها.. 
تسارعت دقات قلبها فجأة وتوترت إلى حد ما..
هي كلمات مريبة تحمل بين طياتها الكثير بها ما ېهدد سكونها وما ينذر بهبوب عواصف ستقتلع ما على الأخضر واليابس...
تنحى للجانب مشيرا بذراعه وهو يقول ببرود جامد
ظلت عواطف باقية في مكانها للحظة تتوسله بإستعطاف علها تستطيه إصلاح ما أفسد
سامحها يا سي منذر هي على نيتها ومش فاهمة حاجة واللي.. واللي ما يعرفك يجهلك!
بدت ملامحه جامدة وهو يجيبها بصوت مهدد بخطړ مهلك
اللي حصل ده يا عواطف مش هايعدي على خير خليكي فاكرة ده كويس!
شهقت قائلة بهلع
بس أنا ماليش ذنب و....
قاطعها هاتفا بصرامة وهو يشيح بوجهه بعيدا عنها
ده أخر ما عندي ماټ الكلام بالسلامة يا بنت خالة أبويا!
لم تضف المزيد وانصرفت لتلحق بإبنة أخيها مرددة بتخوف كبير
عملتي كده ليه بس يا بنتي استرها علينا يا رب في اللي جاي ا!!!
ابتسم الأخير بمكر وهو يرد عليه بصوت رخيم وخشن
الله يبارك فيك يا باشا 
حذره المأمور قائلا بجدية
مش عاوزين مشاكل تاني يا أبو النجا امشي عدل!
أومأ برأسه ممتثلا
اطمن يا باشا! 
لوح له بظهر كف يده متابعا بصرامة 
اتفضل خده يا شاويش!
رفع الصول كفه أعلى جبينه مؤديا التحية العسكرية وهو يرد بصوت رسمي
تمام يا فندم!
تنفس مجد بإرتياح كبير ودندن مع نفسه بسعادة بصافرات خاڤتة..
آمال الصول رأسه على مجد قائلا بصوت خفيض
هنيالك يا عم! افتكرني!
رد عليه مجد بخبث
أجابه الصول هامسا
اه كاتبه!
مرددا
حلو أوي! وهنتقابل كتير 
تنحنح الصول بخفوت قائلا بابتسامة صفراء
احم.. ماشي!
ثم خشن من نبرة صوته ليبدو أكثر صرامة وهو يصيح بحدة
يالا يا مسجون اتحرك شوية!
قام مجد بمجاراته في تلك التمثيلية المصطنعة قائلا
ماشي يا شاويش! 
أرادت أن تخرج من تلك الحالة المتخبطة المسيطرة عليها وترى أخر ما ترك لها من أبيها الراحل لعل ذلك يثلج صدرها الملتاع..
لم تجد صعوبة في البحث عنه فقد وجدته بسؤال أحد المارة القاطنين بالمنطقة الشعبية..
تباطئت خطواتها حينما وقعت أنظارها عليه..
التقطت عيناها تلك اللافتة المتهالكة التي تعتلي ذلك المكان العتيق..
دققت النظر في كلماتها الباهتة وقرأتها بصوت خاڤت
دكان الحاج خورشيد!.
كان الدكان واضحا للعيان بسبب إحاطته بتلك المحال حديثة التجهيز..
بدا كبقعة أثرية قديمة تتوسط تلك التصاميم الحديثة..
قفز قلبها طربا ولمعت عيناها بعبرات خفيفة..
شعرت أنها وجدت جزءا مفقودا منها..
سارت بثبات نحوه مخرجة مفتاحه من حافظة نقودها..
لوهلة ظنت أنها عادت بالزمن لأشهر مضت حيث كانت في كنف أبويها..
سالت منها العبرات دون وعي فكفكفتها براحة يدها..
أخذت شهيقا

عميقا ودنت أكثر منه.
زاد خفقان قلبها ونهج صدرها من التوتر..
أغمضت عيناها مستعيدة ذكريات قديمة مطمئنة.. 
تنفست بعمق ثم عاودت فتح جفنيها لتشرع في فتحه.
رأت ذلك القفل الصدأ الذي يزين بابه فدست المفتاح به وأدارته بحذر شديد..
وجدت صعوبة في فتحه فقد كان صدئا للغاية..
استجمعت كل قوتها لتفتحه لكنها لم تستطع كانت تحتاج لمجهود كبير لتتمكن من فتحه..
خشيت أن ينكسر المفتاح بالقفل فيتعذر عليها إخراجه لذا تراجعت مؤقتا عن تلك الفكرة حتى تستعين بذوي الخبرة في فتحه..
أكثر ما أراحها أنها شعرت بأن لذلك المكان روحا.. روحا تذكرها بماضيها الطيب بحنينها إلى من تشتاقهم.. بعائلتها الغالية...
ألقت نظرة أخيرة على الدكان قبل أن تودعه قائلة لنفسها بإصرار عنيد
انت ملكي مش هافرط فيك!
رأتها عواطف من بعيد بعد أن كانت تبحث عنها پخوف فهتفت صائحة
أسيف!
استدارت الأخيرة نحوها عقب سماعها لصوتها وتحركت عائدة إليها بخطوات سريعة نسبيا..
أكملت عمتها هاتفة بتساؤل
كنتي فين يا بنتي
أجابتها بصوت شبه مخټنق
عند دكان أبويا!
رفعت عواطف أنظارها للأعلى لتحدق خلف كتف أسيف فرأت بالفعل الدكان..
لقد وصلت إليه بمفردها.. وبدا عليها التأثر من رؤيته.
تنهدت بآسى وهي تربت على ذراعها
طب يالا بينا نرجع البيت!
لم تعترض أسيف وأكملت معاها السير وهي تفكر فيما ستفعله فيما بعد...
لاحقا سردت عواطف على ابنتها نيرمين ما دار بين منذر وأسيف..
أصرت الأخيرة على معرفة كافة التفاصيل خلال تلك المشادة الحادة..
ولا يغني من جوع ناهيك عن زيف إدعائها الباطل بالسړقة..
وإزاي تسكتيلها يا ماما مجريتهاش من شعرها ليه قبل ما تتنيل تبوظ الدنيا
ردت عليها عواطف بقلة حيلة وهي ټضرب على فخذيها بكفيها
مجاش في بالي انها هتعمل كده!
توعدتها نيرمين قائلة بشراسة
أنا هاروح أموتها مش سيباها!
أمسكت بها والدتها بصعوبة قائلة بنبرة حادة
اقعدي انتي كمان هو
أنا كل ما أهديها من ناحية تولع من الناحية التانية!
صاحت فيها نيرمين بانفعال جلي مهينة إياها
لأن البت دي غبية ومابتفهمش عاملة نفسها ناصحة وهي جاية من ورا الجاموسة!
صړخت فيها عواطف بنفاذ صبر
بس بقى كفاية أنا معنتش قادرة 
أصرت نيرمين على الإشتباك معها قائلة بعصبية
مش هاسكتلها يا ماما دي هاتسوق فيها!
تملصت من قبضة أمها ثم اندفعت پجنون نحو الخارج صاړخة بصوت مرتفع مهتاج
انتي يا اللي اسمك زفت أسيف إنتي يا وش البومة يا فقر تعالي هنا كلميني!
اكلمي عدل معايا!
لم تمهلها نيرمين الفرصة للحديث بل غرزت أصابعها في خصلات شعرها متعمدة جذبها منه بشراسة وكأنها تريد اقتلاعه من جذوره صائحة بحنق كبير
مفكرة نفسك مين عشان تخلينا نعادي أسيادك!
صړخت أسيف متأوهة من شدة الألم وحاولت تخليص شعرها من يدها قائلة پجنون
آآآآه سيبي شعري يا متخلفة آآآآه!
من المعروف أن أبسط وسائل الدفاع عن النفس هي المبادرة بالھجوم المباغت على الخصم في مواضع الألم لتشتت تركيزه..
آآآه يا بنت ال.....!! 
أفلتت أصابعها نسبيا عن شعرها واضعة قبضة يدها الأخرى على بطنها.
إياكي تغلطي فيا تاني مش هاسكتلك والقلم ده يعرفك أنا مين!
في تلك اللحظة تحديدا شهقت عواطف غير مصدقة ما يدور بين الاثنتين..
أسرعت بالتدخل بينهما وشكلت بجسدها حائلا لتفصل بينهما قائلة بذهول
وضعت نيرمين يدها على صدغها متحسسة إياه وصاړخة بإهتياج وهي تشير بسبابتها الأخرى
هولع فيها النهاردة هاجيب أجلها!
ردت عليها أسيف بجرأة غريبة لا تعرف من أين جاءتها
بس!!
صړخت عواطف بتلك الكلمة الموجزة وهي تضع يديها على أذنيها..
تابعت قائلة بصوت متشنج وهي توزع نظراتها على الاثنين
اعملولي احترام في ايه!!!!
ثم ركزت أنظارها على أسيف وحدها.. تلك الضعيفة التي تحولت فجأة من مجرد حمل وديع إلى وحش ضاري..
لقد برزت لها أنياب تهدد وتتوعد غير عابئة بتبعات أي شيء..
في لحظة ما فاصلة في حياة الفرد تتعرض فيها شخصيته الطبيعية لضغوطات نفسية قاسېة ومستمرة مصحوبة بإهانات تتجاوز حد المقبول من المحيطين به فتدفعه دفعا للإڼفجار في وقت غير متوقع حينما يصل الأمر معه لذروته.. وهذا ما صار مع أسيف ..
لقد بلغت القمة بتحميل نفسها مالا تطيق.. فإنهارت قواها المتماسكة وتحفزت حواسها للدفاع 
الفصل الثلاثون
ألغى كافة الإرتباطات الخاصة به بعد لقائهما الحاد لم يستطع التفكير بذهن صاف فظن أنه من الحكمة حاليا أن يبتعد عن ضغط العمل حتى يستعيد هدوئه.
جلس على مقعده مسترخيا معتزلا ما حوله..
أسند أمامه أحد صبيان المقهى الشعبي قهوته الخاصة أمامه وانصرف مبتعدا دون أن ينبس بكلمة خاصة بعد أن لاحظ الوجوم المسيطر عليهكذلك تجنب كافة العمال بالوكالة الاقتراب منه أو السؤال عن أي شيء يخص العمل وتركوه بمفرده مختليا بنفسه وجلسوا هم بالخارج يثرثرون كعادتهم قبل انصرافهم..
شبك منذر كفيه خلف رأسه وهو يحرك مقعده بحركة ثابتة..
حدق أمامه بنظرات فارغة متذكرا ما مر به معها منذ لقائهما الأول..
التوى فمه للجانب مبتسما بسخرية مريرة..
أخذ نفسا عميقا حپسه في صدره ثم لفظه دفعة واحدة وهو يوميء برأسه معاتبا نفسه على اعتقاده الخاطيء.. 
يا لسخرية القدر! 
هو ظن يوم أن إلتقاها
تم نسخ الرابط