قصة كاملة بقلم ياسمين عزيز
المحتويات
الأخيرة محركا شفتيه بعدة كلمات
خافته و هو يستند بيديه على أرضية المسجد حتى
يقف...كاد يسقط في مكانه لولا ذراعي سيف اللتين
حالتا دون ذلك ليسير به نحو الباب رغم خطواته المتعثرة و أنفاسه المرهقة التي كان يجاهد لأخذها... .
أشار الاخير نحو كلاوس الذي فتح له باب السيارة دون أن يجرأ على الاقتراب بعد أن أوقفه سيف بعيون حازمة الذي عانى حرفيا حتى لا يتأذى
جلس وراء المقود و هو لا يزيح عيناه من عليه
كان بائسا ضعيفا و وجهه شاحب من قلة الاكل
فطوال الايام الفارطة كان يتغذى على المحاليل
فقط... فقد نصف وزنه حتى عضلاته المميزة
بدأت في الاختفاء...حتى عظام وجهه برزت الشيئ
الوحيد المنتفخ هو عيناه اللتين لم تتوقفا
و بصعوبة مفرطة تدارك نفسه محولا نظراته
من عليه موجها إياها إلى الأمام و يحرك
السيارة متجها إلى القصر...
وجد الجميع بانتظاره بعد أن أرسل رسالة
نصية عبر هاتفه لفريد يخبره أنه قد أحضر
صالح معه..إندفعت سناء نحوه لتحتضنه
بين ذراعيها مرحبة به و هي تتظاهر بالتماسك
حمد الله عالسلامة يا حبيبي .
إبتسم لها صالح نصف إبتسامة اضطر لتصنعها
بعد أن جفف وجهه من الدموع حالما توقفت بهم السيارة...ثم بدأ ينقل عينيه بين الحاضرين
بحثا عنهم لكن لحسن الحظ لم يجدهم
لكنه كان متأكدا من أنهم يراقبونه الان من إحدى الزوايا الخفية أو من وراء احد جدران القصر
و كلمات هانيا لا تزال تتردد داخل عقله و هي
تقولها بكل بساطة لقد ماټت...رغم أنه لا يزال يشك في صدقها حتى الآن لكنه يعترف بأن وقع تلك الكلمة لا يمكن وصفه سوى بأنه قاټل...
عض شفتيه بقوة حتى تذوق طعم الصدأ
عندما شعر بتلك الغمامة
تتشكل أمامه من جديد
و الآن سيدخل جناحه و يجدها تنتظره كما
تعودت دائما... احلام يقظة رسمها بنفسه حتى
لا يضعف أمامهم و هو يحرك قدميه بلا روح
نحو غرفته يداه لا تزالان تتشبثان بسيف
يرفض تركه محتميا به مخافة أن يعيدوه إلى تلك الغرفة البيضاء في المستشفى ..
سمع صوت إغلاق الباب وراءه ليترك جسد ينهار
نحيبه الذي كتمه طويلا
مرددا بصوت منفخض..
قتلوها يا سيف... قتلوها... غدروني و أخذوها
مني و انا السبب...
تلفظ بعدة كلمات بدت مبهمة و لم يفهم سيف معظمها رغم أنها كانت تلخص كل شيئ...ثم بدأ
بصفع وجهه و فخذيه كامرأة ثكلى و لم تنجح
محاولات سيف في تحريكه من مكانه فكلما
مد يده نحوه يوقفه بنظراته المتوسلة
و هو يهذي بأنهم قد قتلوها و اخذوها منه
لييأس في الاخير و يقرر الجلوس أرضا بجانبه....
هتف بعدم فهم يستفسره بحذر خوفا من تأزم حالته..
هما مين اللي قتلوها... أنا مش فاهم حاجة .
زفر صالح أنفاسه بصعوبة و كأنه يحمل جبلا فوق
ظهره قبل أن يجيبه دفعة واحدة ..آدم و فاطمة... قتلوا مراتي.
توسعت عينا سيف حتى كادا يخرجان من محجريهما
من شدة صډمته رغم أنه لم يستغرب كثيرا
قيام ذلك الحقېر يمثل هذه الچرائم... الان
فقط
بدأ يفهم سبب إنهيار صالح المفاجئ و بكاءه
المتواصل تحشرج صوته پاختناق و هو يسأله
من جديد..
طب إنت متأكد من الكلام داه
رد صالح و هو يمسح وجهه للمرة الالف..
هانيا قالتلي...و أنا وعدتها إني هسفرها برا
عشان تتعالج...
إنتفض فجأة و ظهر الهلع على وجهه بعد أن
تذكر شيئا ما ليهدر متابعا..
سيف...هانيا هيقتلوها أرجوك خلي كلاوس
يعين قاردز عشان يمنعوا اي حد يدخلها .
إرتخت ملامح سيف و هو يجيبه بخيبة أمل..
هانيا ماټت خلاص....
لم يعلق صالح و كأنه لم يسمعه...وقف بصمت
متجها نحو فراشه يجر جسده بصعوبة و يلقي بنفسه عليه مغمضا عينيه باستسلام مما جعل قلق سيف يتضاعف مخافة ان يأذي نفسه كما كان يفعل في
المستشفى...فبموت هانيا تلاشت لديه اي أمنية
لديه بزيف خبر ۏفاة يارا...
إتجه نحوه لينزع له حذاءه و يدثره فالغرفة كانت باردة و ملابس صالح خفيفة للغاية ثم همس
في أذنه قبل أن يغادر..
أنا عارف إنك مش هترتاح غير لما تاخذ حقك .
هرع سيف نحو جناحه باحثا عن سيلين لكنه لم
يجدها ليدب القلق بداخل صدره و هو يتخيل
أنه آدم قد أذاها...نزل الدرج بسرعة و هو
يناديها حتى وصل لبهو القصر ليجد
سناء و إلهام و بناتهم و معهم فريد و أروى
جالسين....
إندفع نحو إنجي ليسألها..
مشفتيش سيلين راحت فين
تطلعت إنجي حولها بعد فهم قبل أن
تجيبه..
هي مجاتش معاك من الشركة .
زفر بارتياح ثم إنسحب إلى الخارج بعد
أن لمح تميل على فريد و تهمس له بشيئ
ما... تلك الثعلب الماكرة لا تفوتها فائتة
لابد أنها تضحك عليه الآن و تصفه بالابله...
فتش جيوب بدلته ليخرج هاتفه و يتصل
بها حتى يطمئن عليها و هو يلعن آدم
في سره فمن الان فصاعدا يجب عليه
الإنتباه أكثر على سيلين إلى أن يستعيد
صالح قواه و يتصرف معه ليته قټله على
تلك الجزيرة او أعطاه للاسود حتى تفترسه
لما حصل كل هذا...
ما إن علم هشام أن صالح قد غادر المستشفى
حتى إنتابه القلق فإبن عمه لازال يعاني
من صدمة نفسية و يجب عليه الخضوع
للعلاج حتى يستطيع التأقلم مع العالم الخارجي
من جديد....
قاد سيارته خارج المرآب بينما عيون وفاء
كانت تتابعه رغم أن هشام فسخ خطبته و طردها
من المستشفى إلا انها عادت من جديد
و ما أن إختفى عن ناظريها
حتى إستلت هاتفها لتعيد قراءة تلك الكلمة
اليتيمة التي أرسلت إليها منذ دقائق..
تم .
همست تحدث نفسها پحقد و غل و هي تنظر للجهة التي خرج منها هشام..
مش أنا اللي أتساب يا إبن عزالدين....
في الطريق شعر هشام بوجود خطب ما
في سيارته فكلما حاول الضغط على المكابح
لتقليل السرعة لا تستجيب لم يدر ماذا يفعل
سوى الاستمرار في المحاولة دون جدوى
حدق أمامه بړعب و صوت دقات قلبه
غطت على صوت ضجيج الشارع و مازاد
الأمر جنونا هو تلك الشاحنة التي لا يدر من
أين ظهرت له فجأة لتقطع طريقه... ليكون
آخر شيئ يراه أمامه هو وجه السائق
الذي كان يبتسم بشړ و هو يلوح له بيده
و كأنه يودعه....
منتصف الليل في القصر .......
كانت فاطمة مستلقية بجانب آدم الذي كان
لترمق بنظرات غاضبة و هي تحرك يدها أمامها
حتى تجلي تلك السحابة الكثيفة و هي
تقول..
و بعدين هنعمل إيه
اجابها آدم و هو يبتسم ..
سيلين...
فغرت فاها بدهشة ثم سألته..
ھتقتلها .
قبل أن يهدر بحدة..
إنت تجننتي...
حاولت تدارك خطئها لتهمس من جديد..
أنا بسألك...
الغطاء مردفا بتأكيد..
هقتل جوزها عشان تبقى ملكي.
لوت فاطمة ثغرها بسخرية على أحلامه
المستحيلة التي لازالت تسكن مخيلته
رغم محاولاته الفاشلة ثم علقت..
و هتعمل كده إزاي.. متهيألي إنت جربت
كل حاجة عشان تقتله و بردو مفيش فايدة .
أن يسحقها داخل المنفضة و يستقيم منر
مكانه حتى يرتدي ملابسه قائلا..
روحي على اوضتك دلوقتي هنتكلم
بعدين اااا و متنسيش من بكرة عاوزك
تبدئي تهتمي
بحبيب القلب عشان تنسيه
مراته...الطريق بقت قدامك ورينا شطارتك
بقى و إلا هي أروى أحسن منك .
إستقامت هي الاخرى تبحث عن
ملابسها ممتثلة لأوامره و هي تبتسم
بزهو فجميع الحواجز التي كانت بينه
و بينما قد إنزاحت و ها قد جاءتها
الفرصة على طبق من ذهب..
27....
صباحا في اليوم التالي....
دلفت أروى غرفة إنجي و هي تمسك بيد لجين الصغيرة التي كانت تسير ببطئ بجانبها حتى تأخذ منها بعض الملابس و ترسلها لإنجي مع السائق...
فهي لم تعد منذ البارحة بعد أن ذهبت مع فريد
للمستشفى للإطمئنان على هشام..
فتحت الخزانة لتخرج منها حقيبة صغيرة
وضعتها فوق السرير و عادت من جديد
حتى تبدأ في اختيار الملابس و هي تثرثر
كعادتها التي انقطعت عليها الفترة الماضية..
اتحسدنا و ربنا اتحسدنا.. اه هي عين مفيش غيرها
صفراء و مدورة اترشقت في القصر و أهله
فرقعتهم...خلتنا زي الكتاكيت اللي أمهم
هربانة عليهم...في الأول الراجل الكبرة
اللي عمره ما دخل مستشفيات بقى
ما بيتحركش غير بالأدوية و بعدين
يارا...
تنهدت بأسى و هي ترثيها..ياعيني عليكي يا صاحبتي ياترى رحتي فين... ياريتك كنتي هنا وشفتي جوزك هو آه يستاهل الضړب بالجزمة
بس و الله صعب عليا.. اه لو تشوفيه بقى شكله
زي الشحاتين و حالته تصعب على الكافر...
و دلوقتي هشام...داه غير هانيا الله يرحمها و الله
ندمت إني كنت يضايقها لو كنت عارفة
إنها ھتموت كنت اعتذرت منها اوووف قلبي
بيوجعني عليها...
إنتهت من توضيب الحقيقة ثم جلست على
الفراش و هي تفكر من جديد في يارا..
ركزي بقى يا بت يا أروى و فكري يمكن
تعرفي هي راحت فين مش يمكن عند حد
من صاحباتها...بس صالح راحلهم كلهم و محدش
فيهم عارف عنها حاجة...تلاقيها سافرت...
بس ازاي و أوراقها كلها هنا... اوووف
بصراحة بقى هي عندها حق تهرب منه
هو فاكر نفسه مين الشيطان جوزيف...
طائر البطريق هي عشان يحبسها في أوضة مثلجة
لا و كمان حامل..قال إيه بيعاقبها... ما في
عقابات ثانية حلوة أوي....
رمشت بأهدابها و هي تضم يديها معا
هامسة لنفسها بحالمية..
ماهو زين الچارحي كان بيعاقب ليليان
بكباية الحليب..أحيييه.. كان عمل زيه
كباية إثنين علبة إن شاء الله حتى
يجبلها بقرة و شفاطة المهم ميحبسهاش
اهي آخرة الفرعنة...إرتحت دلوقتي
بعد ما طفشت منك... اتبطيت روح بقى
زي الشاطر و خدلك
كرسي يكون مريح و مبطن عشان شكل
وقفتك على الاطلال هتطول اوي...يوووه
انا بخرف أقول إيه دلوقتي منكوا لله
خربتوا مودي و قتلتوا روح الفرفوشة
اللي جوايا و مبقتش قادرة أفضفض مع
نفسي زي الاول...رجالة حلاليف ميحسوش
بقيمة الست غير لما تطفش منهم...إيه
رأيكوا يا بنات ننظم طفشة جماعية للمالديف
و نرتاح من الهم و النكد بتاع الرجالة
و انعنش نفسنا...يووه بتعملي إيه يا لوجي سيبي الشنطة... حتى الأحلام ياربي مش
قادرة أحلم
براحتي أما أنزل أشوف حد ييجي ياخد
الشنطة دي .
نزلت الدرج بتأن و هي تمسك بيد لجين
باحكام حتى لا تفلت الأخرى يدها و تركض
على الدرج حتى وصلت للأسفل لتطلب
من صفاء الصعود و إنزال الحقيبة و إعطاءها
للسائق.. توجهت بعدها نحو الغرفة التي
حبس فيها صالح يارا ليلة هروبها حتى
تذمئن عليه فهو ليلة البارحة قضاها هنا
بعد أن رفض النوم في جناحه...
طرقت الباب ثم دلفت و هي تدفع لجين
أمامها بلطف لينتفض صالح في جلسته
معتقدا أن فريد قد احضر له أحد الأطباء
تنهد بارتياح عندما رأى تلك القزمة الصغيرة
و هي تندفع نحوه و تقفز فوق الاريكة حتى
تصل إليه مرددة إسمه بشكل مضحك..
صاصا...وحثني .
تلقفها صالح محتضنا إياها بقوة بينما
إرتسمت على شفاهه إبتسامة لا إرادية
فالاطفال دائما ما يجبرون الكبار على الشعور
بالسعادة رغما عنهم بوجودهم...
رمقته أروى بشفقة سرعان ما تبددت عندما
رأته يرفع رأسه نحوها لتبتسم له ببلاهة
و هي تشير وراءها نحو الباب..
من غير مطرود صح ...
حرك رأسه و هو يبعد لجين التي كانت
تعبث بخصلات شعره التي نمت و لحيته
لتندفع أروى جالسه على احد الكراسي مدعية
التعب..
بنت أخوك غلبتني معاها مش راضية تاكل أي
حاجة من ساعة ما صحيت و أبوها مش هنا
و ستها كمان و أنا تعبت و مبقاش ليا حيل
عشان أهتم بيها ....
لم يجبها صالح بل ظل مشغولا مع الطفلة التي كانت تطالعه بنظرات بريئة لتضيق
متابعة القراءة